في صباحٍ من نوفمبر 2019م / ربيع الآخر 1441هـ، خبا صوت من أصوات الأزهر التي عاشت للقرآن، ورحل الشيخ رمضان بن سيد أحمد بن الدسوقي خطاب، المقرئ الأزهري الذي ترك في تلامذته سيرةً هي أنفَس من الكتب وأبقى من الأوراق.
ميلاد في شهر القرآن
وُلد الشيخ في شهر رمضان المبارك عام 1380هـ / 1960م بمدينة زفتى بالغربية، فكان اسمه وبشراه منذ مولده مرتبطًا بالقرآن. نشأ في أسرة متواضعة، لكنه وجد في الأزهر الشريف أبوابه مشرعة أمام قلبه، فالتحق به صغيرًا وتخرّج فيه، جامعًا علوم الشريعة والعربية، ومختصًا في القراءات.
رحلة علمية في الأزهر
تخرّج الشيخ من الأزهر، فكان بحق ثمرة من ثماره المباركة. هناك صقل ملكته القرآنية، ونهل من معين شيوخٍ كبار، أبرزهم العالمة الجليلة الشيخة أم السعد علي نجم، التي كانت قبلة طلاب القراءات من العالم كله، فأخذ عنها الإجازة بالقراءات العشر، ولازمها ملازمة الابن لأمه.
كما أخذ عن المقرئ الأزهري الكبير الشيخ عبد الحميد يوسف منصور، الذي علّمه الضبط والدقة في مخارج الحروف حتى صار مثالًا للإتقان، وتصل أسانيده كذلك إلى الشيخ شرف ناصف وغيرهم من أعلام السند.
ورد يومي وتربية وجدانية
لم يكن الشيخ يعيش لحظاته بعيدًا عن القرآن؛ فقد كان ورده اليومي ستة أجزاء، يتلوها بخشوع ويصفها بأنها “زاد القلب”. أما طلابه، فلم يعرفوا منه مجرد التلقين، بل التربية؛ إذ كان يعيد الآية مرارًا ثم يهمس لتلميذه: “أنت لا تقرأ لي، بل تعرض تلاوتك على الله.”
وكان خطه البديع شاهدًا آخر على جماله الباطن والظاهر، يكتب به ملاحظاته ونسخه من المصحف فيأسر الأبصار كما يأسر السمع صوته.
أثر خالد في طلابه
على يديه تخرّج العشرات من المجازين، داخل مصر وخارجها، كثير منهم صاروا اليوم معلمين ومقرئين ينشرون القرآن كما أراد شيخهم. ولم يكن يفرح بإجازة أحد بقدر فرحه بخبر أن طالبه صار يعلّم غيره. هكذا عاش معلمًا بالقدوة قبل أن يكون مقرئًا بالإجازة.
رحيل وبقاء
في 2 ربيع الآخر 1441هـ / 29 نوفمبر 2019م، أسلم الشيخ الروح، لكن صوته ظل حاضرًا في ذاكرة تلامذته، يسمعونه كلما تعثروا في حرف أو ترددوا في أداء. وكتب أحدهم يومها: “رحلت يا شيخنا، لكننا كلما فتحنا المصحف، وجدنا صوتك بين السطور.”
وصية العمر
ظل يردد لتلاميذه وصيته الخالدة:
“اجعلوا القرآن أبًا وأمًّا، فإن القرآن لا يضيّع من اعتصم به، ولا يخيب من جعله زاده ورفيقه.”
رحم الله الشيخ رمضان خطاب، فقد مضى الجسد وبقي الأثر، وصدق القائل: “يموت العالم فتُحدث الأرض فراغًا، ويعيش أثره في قلوب من ربّاهم
إرسال تعليق