في حدث ثقافي وإنساني لافت، يقدّم الكاتب والإعلامي والناشط الحقوقي السوداني الدكتور أحمد علي عبد القادر محمدصالح عمله الجديد «أكسجين سجين»، في إصدار يُعدّ من أبرز الإضافات النوعية إلى أدب السجون العربي، ليس بوصفه سردًا لتجربة اعتقال سياسي فحسب، بل باعتباره شهادة إنسانية وصحفية عميقة تضع القارئ في قلب واحدة من أكثر التجارب قسوة في العالم العربي المعاصر.
الكتاب يوثّق أربع سنوات من الاعتقال السياسي في إحدى الدول العربية، عبر سرد كثيف يمزج بين التوثيق الدقيق والوعي الصحفي والحس الإنساني العالي. ينطلق النص من التجربة الشخصية للكاتب، لكنه سرعان ما يتجاوزها ليكشف بنية السجن بوصفه منظومة كاملة لإخضاع الإنسان: قوانين تُرفع كشعارات، وعدالة غائبة في الممارسة، وحياة يومية تُدار بمنطق كسر الإرادة والعزل النفسي.
في «أكسجين سجين» تتحوّل التفاصيل الصغيرة إلى وسائل نجاة؛ كلمة عابرة، نظرة إنسانية، ذكرى، أو ورقة، يصفها الكاتب بأنها «جرعات الأكسجين» التي أبقت الروح حيّة في مكان صُمّم لمحو الفرد. ومن هنا تتجلّى قوة العمل، إذ ينجح في تحويل اليومي والعادي إلى لحظات دلالية عالية التأثير، تستعيد المعنى والكرامة داخل أكثر البيئات قسوة.
أسلوبيًا، يعتمد الكتاب على سرد هادئ ومتزن، بعيد عن الانفعال أو خطاب الشكوى المباشرة، ما يمنحه مصداقية مضاعفة. فالوقائع والمشاهد هي التي تتحدث، كاشفة التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي وممارسة الاعتقال السياسي، وبين ادعاءات القانون وواقع القهر. كما يمنح النص مساحة خاصة لدور الكلمة داخل السجن وخارجه، ولمكانة الصحفي حين يجد نفسه جزءًا من “مجتمع جديد” داخل مكان مغلق، إضافة إلى تناول أثر السجن على العائلة والمسار المهني والنسيج الاجتماعي.
وفي بعده الثقافي والحقوقي، يُعد «أكسجين سجين» وثيقة إنسانية واجتماعية مهمّة، تمنح صوتًا لتجارب غالبًا ما تُقصى أو تُختزل، وتذكّر بأن الحرية تبدأ من الكلمة، وأن الإنسان، حتى خلف القضبان، قادر على أن يتنفس.
وتتوج هذه الشهادة الإنسانية بحدث ثقافي استثنائي، حيث يشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026 إطلاق الكتاب في حفل رسمي يُقام بحضور نخبة من الشخصيات الدبلوماسية والإعلامية والفنية والرياضية من السودان ومصر، إلى جانب عدد من نجوم الفن المصري، في مناسبة تلتقي فيها الثقافة بالإعلام والفن، ويُنتظر أن تحظى باهتمام واسع من جمهور المعرض.
ويأتي هذا الإصدار ليعزّز المسار الفكري والمهني لمؤلفه، الدكتور أحمد علي عبد القادر، الحاصل على دكتوراه في العلاقات الدولية والدبلوماسية، وسفير السلام العالمي لمنظمة Global Peace Chain لعامي 2025 و2026، والذي يمتلك خبرة تمتد لأكثر من 17 عامًا في الصحافة الورقية والإذاعة والتلفزيون. وهو حائز على جائزة أفضل مراسل صحفي عربي صاعد ثلاث مرات متتالية، ومدرب إعلامي، ومنتج أعمال وثائقية، وناشط حقوقي بارز في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الصحفيين.
بهذا المعنى، لا يقدّم «أكسجين سجين» كتابًا عن السجن فقط، بل يرسّخ نفسه كعمل ثقافي وإنساني كبير، يُحوّل الألم إلى وعي، والتجربة إلى شهادة، ويؤكد أن الكلمة، حين تُكتب بصدق، قادرة على أن تكون أكسجينًا للإنسان… وللوطن.

إرسال تعليق