رولا سالم: حين يصبح القرار مطارًا.. والعبور مصيرًا


          

لم تبدأ رحلة رولا سالم من بوابة مطار، ولا من حقيبة سفر محشوة بالوداع. رحلتها الحقيقية بدأت حين قررت أن لا تكون ظلًا لأحد، بل كيانًا مكتملًا يكتب مصيره بيده.

الصحفية والكاتبة السورية التي حملت دمشق في صوتها، وحملت أحلامها على كتفيها، عبرت جغرافيا الانكسارات لتبني وطنًا صغيرًا بحجم كرامتها وموهبتها. تركت خلفها وطنًا موجوعًا، ومضت نحو مستقبل صاغته بالإرادة لا بالانتظار.

في الإمارات، وسط مدن الفرص والمخاوف، كانت بداياتها صعبة، مشتهاة وموجعة معًا. من غرف مستأجرة ووظائف مؤقتة، إلى أن أصبحت مديرة عمليات في واحدة من الشركات السياحية الرائدة. لم يكن الطريق معبّدًا بالفرص، بل مرصوفًا بالإصرار، بالعمل اليومي الشاق، وبقدرة نادرة على تحويل كل سقطة إلى درس، وكل خيبة إلى منصة.

رولا سالم لم تهجر الصحافة، بل حمَلتها كصوت داخلي يرافقها في كل مسار. بين الإعلام التقليدي والإعلام المؤسسي، وبين الكلمة والحدث، ظلت تكتب، توثق، وتروي قصص النساء، وقصتها الخاصة، كمن يشهد على زمن ويتجاوزه.



مشاركتها الإعلامية الأخيرة في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما 2025 كانت أكثر من حضور مهني؛ كانت فعلًا ثقافيًا وشهادة على قدرة الفن على التماس مع الذاكرة والهوية. التقت هناك بمبدعين من ثقافات مختلفة، وتحدثت عن المسرح كأرض للبوح، وكوطن بديل عن الوطن الغائب.

في قلب كل تحول، كانت الأمومة ظلها ونورها معًا. حملت ابنها في كل عبور، لا كعبء، بل كشريك في الحلم. اختارت أن تكون له نموذجًا للقوة لا التضحية، أن تعلّمه أن العالم، مهما بدا قاسيًا، يمكن أن يُعاد تشكيله بالإرادة والحب.

اليوم، وبعد كل هذه المسافات المقطوعة، تقدم رولا سالم شهادة حية على أن المرأة قادرة على أن تبدأ من الصفر دون أن تتنازل عن روحها، قادرة أن تهزم الريبة التي تلاحق نجاحها، وأن ترسم خريطتها الخاصة، دون وصاية من أحد.

رولا اليوم ليست مجرد مهاجرة نجت من الغرق، بل سيدة تصنع سفينتها كل صباح. تؤمن بأن الألم ليس النهاية، وأن السقوط مجرد مشهد عابر في مسرحية النهوض. وهي، حين تقول:

"لا أخاف البدء من جديد، ولا أخجل من أن أتعلم من كل سقطة"،

فإنها لا تروي حكاية شخصية فقط، بل تكتب مانيفستو لكل امرأة تهفو إلى التحرر من قيد الخوف... ومن انتظار الإذن للحياة.


Post a Comment

أحدث أقدم